لم يحدث على مدى التاريخ أن حصد مرض كل هذا العدد من الأرواح عبر العالم كما فعل الطاعون حتى إنه حصد أرواح ربع سكان العالم فى أحد أوبئته ..
فقد أدى الطاعون عبر السنين إلى إنخفاض عدد سكان ( مصر ) عام 1346م من 8 ملايين
إلى 3 ملايين فقط عام 1805م ..
وفى خلال فترة إشتداد المرض فى الفترة من 1347م إلى 1349م مات فى ( القاهرة ) وحدها 200 ألف شخص من أصل 500 ألف شخص هم مجموع سكانها فى ذلك الوقت ..
( بكتيريا الطاعون )
والطاعون هو مرض يصيب الفئران والبراغيث وتحدث الإصابة فى الإنسان إذا قرصه برغوث كان قد أصيب من قبل عندما قرص أحد القوارض المصابة بالمرض ..
فتتكاثر البكتيريا بداخل البرغوث حتى تؤدى إلى سد معدته فيتضور البرغوث جوعا فيبدأ البرغوث فى البحث بشراهة عن مصدر غذاء وعن عائل يقوم بمص دمائه ..
ولأن معدته مسدودة بالبكتيريا فإن مص دماء العائل الذى يقرصه لا يشبع جوعه
فيتقيأ الدم مرة أخرى على الجرح ..
ويكون الدم هذه المرة محملا ببكتيريا الطاعون ..
ويموت البرغوث من الجوع بينما يصاب الإنسان المقروص بالمرض ..
( البرغوث ناقل المرض )
وعندما يقرص البرغوث المصاب جلد الإنسان تنتقل البكتيريا إلى أنسجة الجسم وتبدأ فى التكاثر داخل الخلية فتنتقل البكتيريا إلى الجهاز الليمفاوى إلى أن تصل إلى عقدة ليمفاوية ..
وهناك يحدث إلتهاب نزفى شديد وتبدأ العقدة الليمفاوية فى التمدد والتورم
وتظهر التورمات المميزة للمرض ..
ولأن العقد الليمفاوية ترشح سائلها داخل مجرى الدم فمن هذا الطريق تنتقل البكتيريا إلى الدم وتذهب إلى أى مكان فى الجسم ..
وقد يحدث نزيف فى الأماكن التى توجد فيها البكتيريا فيصعد الدم إلى طبقة الجلد
وتظهر بقع سوداء على الجلد ..
لهذا سمى بـ ( الموت الأسود ) ..
فأحيانا يصيب المرض الرئتين وفى هذه الحالة يصبح من الممكن أن ينتقل المرض من إنسان لآخر عن طريق الرذاذ الذى يخرج مع الكحة مثل ( الأنفلونزا ) ..
وتوجد 3 أنواع من الطاعون :
( 1 ) الطاعون الدملى Bubonic plague :وهو النوع الأكثر شيوعا وينتقل عن طريق قرصة البرغوث المصاب ويتميز بإنتفاخ العقد الليمفاوية وتظهر الأعراض من يومين إلى 8 أيام من قرصة البرغوث ..
ويبلغ قطر التورم الذى يتكون من سنتيمتر واحد إلى 10 سنتيمتر ..
ويكون المرض مصحوبا بحمى ورعشة وصداع وإرهاق وألم فى العضلات ..
( 2 ) الطاعون المسبب للعفن Septicemic plague :وفيه يصل الميكروب إلى مجرى الدم إذا تصادف وثقب البرغوث وريدا أثناء قيامه بالعض ..
وتتضمن الأعراض هنا الحمى والرعشة وألم فى البطن وإسهال وصدمة ونزيف من الفم والأنف ..
وموت بعض أنسجة الجسم وإسودادها وغرغرينا فى الأطراف بسبب تكون جلطات فى الأوعية الدموية الصغيرة خاصة فى أصابع اليدين والقدمين والأنف ..
( 3 ) الطاعون الرئوى :وهو الأقل شيوعا لكنه الأخطر لأنه يميت أسرع ولأنه ينتقل من شخص إلى آخر عن طريق إستنشاق الرذاذ الذى يخرج مع الكحة وهو بهذا لا يحتاج إلى براغيث أو فئران ..
وتتميز الأعراض هنا بالحمى والضعف ثم أعراض الإلتهاب الرئوى وألم الصدر والكحة وصعوبة التنفس والبلغم الدموى والقئ والغثيان ..
وفى الفترة من 1347م إلى 1351م إنطلق الموت الأسود يحصد الأرواح فى ( أوروبا ) و ( آسيا )
و ( أفريقيا ) ..
ويعتقد أن هذا الوباء قد قلل أعداد سكان العالم فى ذلك الوقت من 450 مليونا
إلى ما بين 350 و 375 مليونا ..
وعندما بدأ الوباء فى ( الصين ) فقدت نصف عدد سكانها (من حوالى 123 مليون إلى 65 مليون) ومنها إنطلق إلى ( أوروبا ) التى فقدت ثلث سكانها (من حوالى 75 مليون إلى حوالى 50 مليون)
وإلى ( أفريقيا ) التى فقدت ثمن سكانها (من 80 مليون إلى 70 مليون) ..
وظلت فلول هذا الوباء تضرب ( أوروبا ) فى أوقات متفرقة وفى أماكن متفرقة حتى القرن الـ 17 ..
وفى ( مصر ) دخل الوباء عام 1899م عن طريق الموانى المصرية
( الأسكندرية – بورسعيد – السويس ) ومنها إنتقل إلى داخل البلاد
حيث إستوطن فى ( المنيا ) و ( أسيوط ) حتى 1947م ..
وكانت ( القاهرة ) منيعة إلى حد كبير ضد المرض بسبب بناء البيوت من الحجر وقلة الفئران بسبب وجود حيوان العرسة الذى كان يأكل الفئران ..
وقد كان الطاعون هو أول سلاح بيولوجى فى التاريخ ..
ففى ( الصين ) القديمة وفى ( أوروبا ) فى العصور الوسطى كانوا يلقون جثث الحيوانات المصابة فى منابع الماء الخاصة بالأعداء لينقلوا المرض إليهم ..
كما كانت جثث الموتى بالطاعون تلقى بالمنجنيق على المدن المحاصرة ..
وقد كان التتار يفعلون هذا مع المدن المحاصرة أثناء تفشى الطاعون بين جنودهم ..
وفى أثناء الحرب العالمية الثانية كان اليابانيون يقومون بتطوير سلاح بيولوجى يعتمد على الطاعون عن طريق تربية عدد كبير من البراغيث الحاملة للمرض ..
وخلال الإحتلال اليابانى لـ ( منشوريا ) قام اليابانيون بنقل المرض إلى الكثير من أهل ( منشوريا ) و ( كوريا ) و ( الصين ) ولأسرى الحرب الموجودين لديهم أثناء التجارب ..
وقد كان اليابانيون يشرحون جثث الموتى لدراسة المرض ..
كما كانوا يقومون بتشريح بعض المصابين وهم أحياء ..
وبعد إنتهاء الحرب العالمية الثانية قام كل من الإتحاد السوفيتى والولايات المتحدة بأبحاث لتطوير سلاح بيولوجى يعتمد على سلالة الطاعون الرئوى ..
وتضمنت الأبحاث تطوير سلالات مقاومة للمضادات الحيوية ودمج الطاعون مع بكتيريا أمراض أخرى كالدفتيريا بإستخدام الهندسة الوراثية ..
وهناك مخاوف حاليا من أن تتوصل جماعات إرهابية لتصنيع سلاح بيولوجى يحتوى على الطاعون خاصة وأنه يمكن أن يوضع فى شكل بخاخات ترش فى الهواء إذا تم إستخدام السلالة الرئوية ..
وقد أعلنت منظمة الصحة العالمية أن هناك ما بين ألف إلى 3 آلاف حالة إصابة بالطاعون سنويا فى جميع أنحاء العالم.